يعاني العراق من مشكلة بطالة كبيرة. على مدى العقد الماضي، شهدت معدلات البطالة الرسمية ارتفاعًا مستمرًا، حيث وصلت إلى 14.2% في عام 2021. وقد أثار نقص الوظائف احتجاجات شعبية في الماضي، بما في ذلك المساهمة في المظاهرات الحاشدة المناهضة للمؤسسة في أكتوبر 2019، وما زال يثير الاحتجاجات الاجتماعية. الاضطرابات.
وتمثل الحكومة العراقية 40 بالمائة من جميع الوظائف، وهي حصة كبيرة جداً من العمالة مقارنة بالدول الأخرى. وهذه الاستراتيجية غير مستدامة إلى حد كبير نظرا لأن المزيد والمزيد من الشباب العراقي يدخلون سوق العمل. يتمتع العراق بواحد من أكثر الشعوب شبابا في العالم، حيث أن 60 بالمائة من مواطنيه تقل أعمارهم عن 25 عاما . ومع ذلك، تبلغ نسبة البطالة بين الشباب حالياً أكثر من 25 بالمائة . وتتفاقم البطالة بين الشباب بسبب حقيقة أن عدد الأشخاص الذين يدخلون سوق العمل أكبر من عدد الوظائف التي يتم خلقها. ومن العوامل المحفزة لارتفاع معدل البطالة هذا هو اعتماد العراق على النفط. ويأتي أكثر من 90% من إيرادات الحكومة من النفط، مما يعني أن هناك حاجة إلى تحول اقتصادي هائل لدعم القطاع الخاص بحيث يكون هناك المزيد من فرص العمل للشباب. ومع ذلك، فإن جذب الشركات العالمية للاستثمار في العراق يتطلب الاستقرار والعمالة الماهرة، وكلاهما مفقود في البلاد.
إن عدم قيام نظام التعليم بإعداد الطلاب بشكل جيد يساهم نقص العمالة العراقية الماهرة.
ومن المرجح أن تؤدي الضغوط الديموغرافية إلى تفاقم التحديات التي تواجهها السلطات. وتتوقع وزارة التخطيط أن يرتفع عدد سكان البلاد إلى 51.2 مليون نسمة في عام 2030 من 41.1 مليون نسمة حاليًا، مما يؤدي إلى مزيد من الضغط على الوظائف. وتزداد المنافسة على التوظيف بسبب وجود العمالة الأجنبية.
العدد الحقيقي للعمال الأجانب في العراق غير واضح. صرح وزير العمل السابق باسم عبد الزمان في يوليو 2019 أن الرقم يبلغ حوالي 750 ألفًا. هذا بينما أكدت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية العام الماضي أن هناك 400 ألف عامل أجنبي غير قانوني في العراق. ومع ذلك، أكدت أحدث الأرقام التي قدمتها لجنة العمل والشؤون الاجتماعية بالبرلمان في مارس/آذار، أن هناك 1.5 مليون عامل أجنبي في البلاد، بما في ذلك العمال غير الشرعيين.
استياء شعبي:
مهما كان العدد الحقيقي، فإن وجود العمال الأجانب أثار الاستياء بين بعض العراقيين. وقال أكرم حامد، وهو عامل في إحدى شركات الديكور المنزلي، لـ “أمواج” إنه حتى مع عمله “أصبحت الحياة لا تطاق في ظل الصعوبات السائدة”. ويرى أن “السبب الرئيسي وراء تباطؤ عملنا هو تدفق العمالة الأجنبية من الدول الآسيوية والأفريقية، وكذلك سوريا ولبنان، الذين يحلون محلنا وأقل تكلفة من العمالة المحلية”.
ومن خلال مراجعة للبيانات الإحصائية المتوفرة في وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي حول
تطورات السكان في العراق: نلاحظ وجود زيادة سريعة في معدلات نموه فقد بلغ عدد السكان 26.3 مليون نسمة عام 2003 وبلغ بحدود 40 مليون نسمة عام 2022، محققاً بذلك نسبة نمو بحدود %3، ويُلاحظ أيضاً ارتفاع الفئة العمرية للسكان في سن العمل لأكثر من 52%، بينما تبلغ نسبة السكان في سن 65 سنة فما فوق بحدود %3 من مجموع السكان، وهذه النسبة تكشف حقيقة ارتفاع نسبة الإعالة في العراق، ممّا يُثقل العبء على الفئة العمرية الفعّالة من السكان.
التشغيل وحجم البطالة:
لقد كانَ لتردي عمليات الإنتاج وازدياد نسب التضخم في الاقتصاد العراقي، الأثر المباشر في تدني الاستثمار، الأمر الذي أدى بالمقابل إلى زيادة البطالة في كافة أنواعها وخصوصاً فئة الشباب الذين تقع أعمارهم 15 سنة فما فوق الذين يشكلون النسبة الأكبر من إجمالي السكان النشطين اقتصادياً، حيث ازداد العرض نتيجة لارتفاع معدلات نمو السكان مقابل انخفاض نمو الطلب على الأيدي العاملة؛ بسبب تراجع الأداء الاقتصادي وعدم القدرة على تحقيق معدلات للنمو الاقتصادي ولضعف العملية الاستثمارية، وبالتالي، ضعف القدرة على توليد فرص عمل جديدة، ممّا جعل البطالة في العراق ظاهرة ينبغي معالجتها ضمن برامج تنموية، باعتبار أنّ الإنسان غاية التنمية ووسيلتها، إلى جانب ما تعكسه هذه الظاهرة من سلبيات على الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية. لقد تباينت تقديرات نسب البطالة في العراق خلال السنوات السابقة، إلا أنّه وحسب الإحصائية الأخيرة الصادرة من منظمة العمل الدولية وبالتعاون مع وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية، فأنّ معدل البطالة بين السكان بلغ % 16.5 عام 2021، وهذا يعني وجود شخص عاطل من بين كل خمسة أشخاص يعملون، ومن جهة أخرى، فأنّ معدل البطالة بين الذكور بلغ % 14.7 مقابل % 28.2 بين النساء.
العمال غير الشرعيين
يتركز الكثير من القلق بين بعض العراقيين على العمال الأجانب الذين لا يحملون التصاريح اللازمة. زعمت وزارة الداخلية أن 95% من العمال الأجانب في العراق يعملون بشكل غير قانوني، وقالت إنها قامت بترحيل 32 ألف عامل في النصف الثاني من عام 2020. ومن المتوقع الآن زيادة عمليات الترحيل بعد تخفيف قيود السفر المتعلقة بفيروس كورونا؛ وقال المتحدث باسم وزارة الداخلية خالد المهنا إن السلطات “تتبع إجراءات صارمة” من خلال طرد العمال غير الشرعيين وتقييد طلبات الحصول على تصاريح للعمال الأجانب. وقد أصبحت هذه القضية في الآونة الأخيرة موضع اهتمام سياسي. وفي فبراير/شباط، حذر نائب رئيس البرلمان آنذاك حاكم الزاملي من أن هذه الظاهرة تؤدي إلى “زيادة كبيرة في معدلات البطالة” وتؤثر سلباً على “الوضع الاقتصادي والاجتماعي والأمني” في البلاد. ودعا الزاملي إلى زيادة التنسيق بين مختلف الجهات لتحديد “الاحتياج للعمالة الأجنبية” و”تشخيص منافذ دخول العمالة غير الشرعية وإحكام الرقابة عليها”. وقالت النائبة زينب الجزائري عن كتلة صادقون، في حديث لـ أمواج ميديا، إن أكثر من 400 مليون دولار تصرف شهرياً على رواتب العمال الأجانب في العراق. وأوضحت أن الكثير من هذه الأموال يتم تحويلها خارج العراق، وأحيانا عبر قنوات غير رسمية وبالتالي غير منظمة. واقترح الجزائري كذلك ضرورة أن تكون هناك “آليات واضحة بين المؤسسات العراقية لتنظيم العمالة الأجنبية في البلاد”.
التأثيرات على المجتمع والحلول الممكنة
ويزيد العدد الكبير من العمالة الأجنبية من المنافسة على الوظائف في جميع القطاعات في العراق. وقال الباحث الأمني حسنين فايز لـ أمواج إن ارتفاع معدلات البطالة لا يؤثر فقط على أولئك الذين يكافحون من أجل تغطية نفقاتهم، بل يمكن أن يؤثر أيضاً على الأمن والاستقرار الاجتماعي في المناطق الحضرية. وأوضح أن نقص الفرص يمكن أن يؤدي إلى إجبار المدنيين على السلوك غير الاجتماعي. على سبيل المثال، يشهد العراق انفجارا في استخدام وتجارة المخدرات غير المشروعة. وأضاف فايز أن الشباب العراقيين معرضون بشكل خاص للإغراءات أو الضغوط التي تعني أنهم “ينخرطون في أي عمل يدر الدخل”. ونقاط الضعف هذه نفسها يمكن أن تجعلهم عرضة للاستغلال من قبل الجماعات المتطرفة.
أما بالنسبة لظاهرة البطالة، فقد تم التفكير كثيرًا في الحلول الممكنة لمعالجة هذه القضية. تركز إحدى الركائز الخمس الأساسية لاستراتيجية وزير المالية السابق علي علاوي للإصلاح الاقتصادي، والتي نُشرت في أكتوبر 2020 والمعروفة باسم الكتاب الأبيض، على خلق فرص العمل. وينبغي للحكومة أن تسعى إلى خلق مناخ توظيف مناسب من خلال اعتماد سياسات اقتصادية وضريبية مستدامة.