يواجه العراق تحديات كبيرة في مجال الرعاية الصحية النفسية نتيجة الحروب الداخلية والاضطرابات السياسية التي شهدها على مر السنوات، والتي أثرت بشكل كبير على الصحة النفسية للمواطنين، منذ عام 2003 لا تمتلك الحكومة العراقية أية إحصائيات دقيقة لعدد الأشخاص الذين يعانون من الأمراض أو الاضطرابات النفسية وهم بحاجة ماسة للدعم والعلاج وسط التجاهل المستمر وغياب الرؤية الواضحة لقضايا الرعاية النفسية، بدأت اعراض الإضطرابات النفسية تظهر على الأطفال والمراهقين بشكل ملحوظ، ووصلت الأمور إلى أقصى مستوياتها حيث أظهرت تحقيقات الأمم المتحدة بتعرض أكثر من 9000 طفل للقتل والتشويه أو الإغتصاب و أن أكثر من 26 ألف طفل يعانون من اضطرابات نفسية، خاصة ممن نزحوا من منازلهم أو فقدوا ذويهم ومجتمعاتهم في حين كانت معظم الأعراض تتجلى ب " تأخر التطور العقلي والنفسي واضطرابات السلوك وحالات التوحد، بالإضافة إلى فرط الحركة وضعف التركيز وصعوبة الحفظ هذه ليست سوى جزء من المشكلة. فالأمراض النفسية تتجاوز الأرقام الموثقة، بحسب تقديرات المتخصصين غير الرسمية، فإݩ نسبة الأمراض النفسية في العراق، تطال أكثر من 18٪ من السكان في عموم المحافظات، ما يعني أن عدد العراقيين الذين هم بحاجة لرعاية نفسية واجتماعية هو أكثر من 7 ملايين شخص
ترافقت هذه الاحصائيات مع تسجيل وزارة الداخلية العراقية ، عشرات حالات الانتحار، فيما تؤكد الوزارة أن 769 حالة انتحار سجلت خلال العام 2021، وهى أكثر بنحو 100 حالة عن العام الماضي. وهى تتصاعد باستمرار حيث بلغت 1073 عام 2023. يعيدنا الواقع الحالي للعراق إلى العصور القديمة حيث رجال الدين والسحرة لهم اليد العليا في محو دور الأطباء والعلماء من مجالات الحياة المختلفة. وهذا يتطلب تغييرا شاملا في الثقافة لتعزيز الوعى باهمية الرعاية النفسية وتقديم الدعم الكافى والمستدام لمن يحتاجون الثقافة الإجتماعية العراقية و الوعي النفسي المتدني: يعتبر النفى للأمراض النفسية وسوء الفهم لطبيعتها من العوائق الرئيسة التي تحول دون البحث عن المساعدة الطبية في هذا المجال تعود جذور المشكلة إلى العادات الإجتماعية والعشائرية للأسر العراقية، التي تمنع أفراد المجتمع، بمختلف أعمارهم، من اللجوء إلى الطبيب النفسي رغم احتياجهم الماس لذلك حتى لا يوسم بالمجنون أو المختل أو المعتوه مما سمح للمجالس الدينية والمشعوذين بالتدخل في حياة الناس وأصبح من المستحيل على المريض زيارة مراكز الرعاية النفسية القليلة. في عام 2023 تم اجراء دراسة استقصائية لأكثر من 2500 مواطن عراقي يعانون تحت وطئة اعراض اضطراب ما بعد الصدمة BTSD و القلق النفسي والإكتئاب والذهان من الذكور والإناث وكشفت النتائج أن أكثر من نصف المرضى 77٪ ذهبوا إلى العلاجات التقليدية وغير المثبتة علميا، حيث قاموا بزيارات ما بين مرة إلى تسع مرات إلى رجل دين شيعي (السيد) أو رجل دين سني (الشيخ) لديه القدرة على ممارسة العلاج الروحي واصلاح الإضطرابات النفسية تم علاج حوالي نصف المرضى بطرق ضارة لطرد الأرواح الشريرة مثل الوخز المتكر بهراوة المعالج؛ والدفع القاسي أو الضرب بالعصا أو الصفع و ضرب رأس المريض بالحائط القاسي على جميع أنحاء الجسم، في حين أبلغت بعض المريضات الشابات عن تعرضهن للاستغلال الجنسي في منازلهن أو في نزل آمن عند التحقق من آراء المرضى حول الفوائد أعرب أكثر من 70٪ تقريبا عن مواقف سلبية تجاه نتائج العلاج، بالرغم من ذلك، فإن تبجيل المعالجين والمرشدين الدينيين يجعل من الصعب على الكثيرين إدانتهم رغم تجاربهم المحبطة وهذا يعكس الثقافة المدمجة للمعالجين والمعلمين كجزء من الاعتقادات الثقافية في العلاجات التقليدية
تعاني الرعاية الصحية النفسية في العراق من نقص في البنية التحتية والمرافق الصحية المخصصة للطب النفسي وترزح تحت وطئة الدعم المنخفض وسوء الفهم، وفقا لتقرير منظمة الصحة العالمية WHO، إن العراق يوجد فيه ثلاثة أطباء نفسيين لكل مليون شخص، في مقابل 209 طبيب لكل مليون في فرنسا مثألا .إن عدد الأطباء النفسيين الرسميين في العراق يبلغ حوالي 100 طبيب، مما يعادل 0.1 طبيب نفسي لكل 100000 شخص اشار الدكتور الكاظمي مدير مستشفى ابن رشد للطب النفسي والعقلي في مدينة بغداد في مقابلة مع موقع الفرانس برس: "نعاني شحا في أطباء الاختصاص، لدينا فقط 11 طبيبا نفسيا، بينهم أنا، مدير المستشفى" ويضيف "لا أعتقد أنه يوجد طبيب في العالم بعهدته 150 مريضا لمدة 30 يوما في الشهر و365 يومٱ في السنة، هذا رقم ضخم جدا" هذا يؤكد ما أوردته منظمة الصحة العالمية حيث إن إنفاق العراق على الصحة النفسية لا يتجاوز 2٪ من ميزانيته للصحة، ما يعني أن البلاد تعاني من نقص حاد ق الدعم الحكومي المادي والثقافي يعقد الوضع ويؤثر سلبا على جودة الرعاية النفسية المقدمة من الواضح أن هناك حاجة ملحة إلى تحسين الرعاية الصحية النفسية في العراق من خلال تعزيز البنية التحتية وتدريب المزيد من الكوادر الطبية المتخصصة. زيادة الوعي العام حول الصحة النفسية وتقديم التثقيف حول أمراضها وطرق علاجها.